كما هي منشورة على مدوّنة البخاري
إن لم يستهوك البحث عن المركّبات الكيماوية النادرة التي يحتاجها الجسم البشري، فلربّما لم تسمع من قبل عن بيطرطرات الكولين. هذه المادّة هي إحدى أشكال مادّة الكولين الأساسيّة في غذاء أغلب الثديّيات وذوات الجهاز العصبي المركزي. توفّر العديد من الفوائد الصحية لكلّ من البدن والدماغ.

بداية كتعريف، حتى يعمل الدماغ فإنّه يحتاج وقوداً خاصّاً به، يقوم الجهاز الهضمي بتوفيره من الأغذية ويقدّمه للدماغ. نُقصان أو تأخّر توريد هذه المادة إلى الدماغ يؤدّي إلى تراجع المزاج، ما نسمّيه عادة بالانخفاض المزاجي، كما يؤدّي إلى بطئ عمليات الدماغ، من انتباه وحفظ واستذكار.
هذا الوقود الذي يستهلكه الدماغ اسمه أستيل كولين، وهي مادّة لا ينتجها جسم الإنسان إنّما يحصل عليها بواسطة تفكيك مادّة الكولين، المستخلصة من البروتين الحيواني؛ كاللّحوم والبيض بشكل أساسي. مادة الكولين هي طليعة جزيئية لأستيل كولين النواقل العصبيّة الذي ينقل الإشارات الكهربائية من الدماغ لتنفيذ مهام الجسم، بما في ذلك الذاكرة والتحكّم بالعضلات. إنّ مادّة الكولين مهمّة جدّاً للصحّة العقليّة والنفسيّة، و لتمكين الجسم من أداء وظائفه على أتمّ وجه.

يتسبّب نقص الكولين الحاد بمرض الكبد الدهني اللاكحولي (1)، وهو مرض شائع في الدول النامية كما في المجتمعات التي يشيع فيها مرض السكّري من النوع الثاني على وجه الخصوص. قد لا يظهر على المصاب بهذا المرض زيادةً في الوزن أو السمنة، لكنّ تراكم الدهون في الكبد يؤدّي إلى مشاكل كبيرة طويلة الأمد، منها انخفاض مفاجئ لضغط الدم، وتعرّق زائد برائحة السمك، وتراجع أداء العضلات والأعصاب، وتباطؤ الدماغ، وتراجع بالإقبال على الحياة (2). عادة لا يُشخّص هذا الخلل على أنّه مرض، لذا لا يخضع المريض للعلاج، إنّما يُنصح بتقليل الوزن والمزيد من الحركة، لا أكثر.
أمّا نقص الكولين اليومي غير الحاد، فيؤدّي عموماً إلى صعوبات في التعلّم، وتباطؤ القدرة على الفهم والاستيعاب، وصعوبة في التركيز، كما يعاني الإنسان البالغ من صعوبة التعامل مع الذاكرة وكثرة النسيان. وكانت دراسة من جامعة نورث كارولاينا قد بيّنت أنّ 2٪ فقط من النساء ما بعد سنّ اليأس تحصلن على المعدّل اليومي المطلوب من أستيل الكولين بسبب العادات الغذائية الشائعة (3)، ولا أعتقد أنّ النساء قبل سنّ اليأس أفضل حالاً. وهو ما يفسّر برأيي شيوع النسيان ما بين النساء الأمّهات، خاصّة مع تكرار عملية الحمل والرضاع وما يترتب عليه من نقص في العناصر الغذائيّة الضروريّة لجسم المرأة، بالإضافة إلى الانشغال عن اتّباع نظام غذائي جيّد وتكريس الاهتمام بتربية الأطفال واحتياجاتهم.
فوائد بيطرطرات الكولين للجسم
بينما يتقدّم بنا العمر، نعاني أوجاعاً وآلاماً متعددة (4) تبدو وكأنّها تظهر من العدم. غالباً ما نستغرب انقلاب حالتنا الصحية بين ليلة وضحاها لنستيقظ صباحاً مع وجعٍ مفاجئ. بيطرطرات الكولين قادرة على أن تعمل كمضاد وقائي من الالتهابات غير الستيرويدية وتساعد في درء هذه الأوجاع والآلام المفاجئة (5). إلى جانب ذلك، يُعتقد بأنّ بيطرطرات الكولين مفيدة لصحّة الكبد والقلب على حدٍّ سواء.

فوائد بيطرطرات الكولين كمنشّطة للذهن
منشّطات الذهن (النوتروپكس) هي مكمّلات غذائية تفيد عمليّات الدماغ (6). في الواقع، يشار إلى منشّطات الذهن عادة باسم أدوية الذكاء. وبيطرطرات الكولين هي حتماً ضمن هذا التصنيف.
بشكل أساسي، البيطرطرات يأخذ شكلاً ملحياً من الكولين. وبشكلها هذا، تمتاز بقدرة الجسم على امتصاصها أسرع وأكثر من معدّل امتصاصها من الأغذية. بيطرطرات الكولين هي مركّب طليعي لأستيل الكولين، وهو ناقل عصبي يقوم بالعديد من الوظائف المتعلّقة بالتحكّم بالعضلات والذاكرة على السواء (7).

بيطرطرات الكولين لذاكرة محسّنة
أظهرت المكمّلات التي تحتوي على بيطرطرات الكولين أنّها تقوم بتحسين الذاكرة في العديد من الدراسات (8). سواء أكنت تعاني ضعف الذاكرة والنسيان نتيجة لتقدّم العمر، أو بسبب ضغوطات الحياة وتعاظم مشاغلها، يعتقد الأطبّاء أنّ بيطرطرات الكولين تساعد على تحسين أداء الذاكرة بشكل عظيم (9).
إحدى الدراسات المثيرة للاهتمام أجرتها الأستاذة روداو Rhoda Au الباحثة الأولى في كلّية الطبّ في جامعة بوسطن. في هذه الدراسة، قدّم حوالي 1400 شخص تتراوح أعمارهم ما بين 36 و 83 عاماً تسجيلاً لتاريخهم الغذائي. وجدت الدراسة أنّ الرجال والنساء الذين احتوى نظامهم الغذائي على أكبر قدر من الكولين أظهروا أداءً أفضلً في اختبارات الذاكرة وغيرها من اختبارات القدرات المعرفية، مقارنةً بأولئك الذين سجلوا مستويات منخفضة من الكولين في أغذيتهم. إضافةً إلى ذلك أوضحت الدراسة بتفاصيلها أنّ هناك علاقة بين انخفاض مستويات الأستيل كولين في الدماغ ومرض ألزهايمر (10).
أُجريت دراسة أخرى في جامعة نورثويسترن چيكاگو (شمال الغربيّة في شيكاغو). بيّنت الدراسة حجم التغيير الذي يمكن أن يحدثه تغيير مقدار معين من بيطرطرات الكولين في النظام الغذائي. إذ اعتمدت الدراسة على اختبار الأشخاص الذين شُخّصت حالتهم بنقص الكولين. خضعت عينة الاختبار لسلسلة من اختبارات الذاكرة. حيث ظهرت نتائج اختباراتهم أقل بكثير من المتوسّط العام. على مدار ست أشهر؛ أعطي نصف هذه المجموعة مكمّل الكولين والنصف الآخر دواءً وهمياً. بعد انقضاء الأشهر الستّة أعادت المجموعتان اختبارات الذاكرة نفسها. وكما هو متوقع أظهرت المجموعة التي تناولت مادّة الكولين تحسّناً كبيراً في أداء الذاكرة. بينما أظهرت المجموعة التي تناولت الدواء الوهمي ذات النتائج الضعيفة السابقة (11). إنه نموذج آخر يعرض كيف يمكن لمكمّلات بيطرطرات الكولين تحسين أداء الدماغ و وظائفه.

بيطرطرات الكولين لتنشيط العقل
ثبت أنّ لبيطرطرات الكولين أثر في تحسين المزاج ونشاط الدماغ كذلك (12). إذا كنت تشعر بانخفاض الدافعية وتكدّر بالمزاج، مع مواجهة صعوبة في التركيز وانتباه أقل ممّا ينبغي، فإنّ دعم دماغك ببيطرطرات الكولين يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في رفع المزاج وزيادة الدافعية والانتباه، بواسطة استهلاك الدماغ لمادّة الأستيل كولين. حيث أنّ الدماغ يحصل عليها من تفكيك بيطرطرات الكولين، ولا يوجد مصدر آخر لها.
عندما توفّر بيطرطرات الكولين كميّة وافية من الأستيل كولين فإنّها لا تحسّن وظائف المخ والذاكرة فحسب؛ بل تمنع الخلايا العصبية من مهاجمة غيرها من الخلايا لتأمين الكولين منها، حين تتضوّر خلايا عقلك باحثة عن المزيد من الكولين. فبمجرّد انخفاض مستويات الكولين، تشعر بضبابية ذهنيّة تمنعك عن التفكير بوضوح. يربط الناس عادةً هذا الحدث بالتقدّم بالعمر أو بالضغط النفسي، لكن هذا الربط غير صحيح (13).

أين أعثر على الكولين؟
يحتاج الجسم البشري إلى كميّة كبيرة من الكولين يومياً. إذ يحتاج الطفل ما بين الميلاد وحتّى سن 8 سنوات، إلى ما بين 125 ملغ إلى 250 ملغ يوميّاً. والطفل ما بين 9 إلى 13 سنة يحتاج 375 ملغ يومياً. ومن بعدها يحتاج الذكور إلى 550 ملغ يومياً، والنساء ما بين 400 إلى 425 ملغ يومياً. لكن المرأة الحامل والمرضع تحتاج 550 ملغ يومياً كما الرجل.
يتوفّر الكولين بشكل طبيعي في جميع الأغذية، لكن بكميّات متفاوتة بشكل كبير. مثلاً تحتوي قطعة وزنها 85 غرام من لحم البقر المطبوخ على 117 ملغ كولين، بينما تحتوي قطعة بذات الوزن من كبد البقر المطبوخ على 356 ملغ كولين. كما يحتوي نصف كوب من البقول على 15 ملغ فقط من الكولين. وتكاد النسبة في الفواكه لا تُلحظ لضآلتها. الجدير بالذكر هنا أنّه لا يتم تخزين الكولين في الجسم بعكس معظم العناصر الغذائية. لذا لا بدٌ من أخذه بشكل مستمر ويومي من الأطعمة على مائدة الطعام أو المكمّلات الغذائية. نقص هذه المادة ذو أثر يظهر بشكل يومي وفوري.
في الرسم التالي مقارنة بين مجموعة مختارة من مكوّنات غذائيّة تدخل في عاداتنا الغذائيّة اليوميّة لتبيان حصّة الكولين اللازمة لكلّ واحدة منها. هذه الدراسة أجراها المعهد الوطني للصحّة في الولايات المتّحدة الأميركية (14).

العمود الأيسر يحتوي على اسم الغذاء وطريقة تحضيره للأكل. العمود الأيمن يحتوي، باللون الزهري، على النسبة التي توفّرها الوجبة من الحصّة اليوميّة من الكولين، بينما يخبرنا اللّون الرمادي عن النسبة المتبقّية لتحصيلها من الحاجة اليومية من الكولين. أمّا العمود الأوسط فيخبرنا باللّون الأزرق عن وزن الكولين في كلّ وجبة مُقاساً بالميلي غرام. فلو أكلنا مثلاً وجبة من المكوّنات المذكورة هنا، فيها الكبدة مع بيضة مع لبن الزبادي، لحصّلنا الحاجة اليومية من الكولين.

تكميل الغذاء ببيطرطرات الكولين
مقارنة بما تقدّمه بيطرطرات الكولين، فإنّ أسعارها التجاريّة في السوق حالياً مقبولة جدّاً. لكن، كن حذراً من أيّ شركة تشتري، فلا تعمل جميع التركيبات الدوائية بذات الطريقة. سواء أكنت ستأخذها لمنع انخفاض قدراتك المعرفيّة أو ستأخذها لتحسين مزاجك ورفع كفاءة أداءك اليومي، امنحها وقتاً كافياً للعمل وأدخلها في مكان مبكّر ضمن جدول روتينك الغذائي اليومي.
أخيراً ينبغي التنويه إلى أنّ المتاجر توفّر ثلاث أشكال من الكولين في السوق (15):
- الصنف الأوّل على شكل حبوب أو كبسولات أو مسحوق بيطرطرات الكولين Choline Bitartrate وهي أملاح تحتوي على 40٪ من المادّة الفعّالة فقط، أي أنّ كلّ 1 غرام منها يحتوي فعلاً على 400 ملغ من بيطرطرات الكولين، يصل منها إلى الدماغ نسبة قليلة من مجمل الكمّية المتناولة. يمكنك تناول حبّة إلى ثلاث حبات منها كلّ يوم، هذا يعتمد على نمطك الغذائي اليومي، ونادراً ما تتسبّب بتسمّم فائض الكولين.
- الصنف الثاني هو حبوب Alpha-GPC وهي أملاح مركّزة تستهدف الدماغ لتعزيز الانتباه، ويمتصّها بشكل كامل. ويسبّب الإفراط بتناول الجرعة تسمّم الكولين؛ ومن أعراضه الإسهال والإقياء والصداع الشديد.
- الصنف الثالث هو حبوب CDP-choline وهي أملاح مركّزة تساعد الدماغ في ضبط المزاج والتخفيف من اضطرابات النوم. ويتمّ امتصاصها بنسبة 90٪ في الدماغ.
للبحث عن مصدر لشراء حبوب بيطرطرات الكولين، انقر هنا وأتمنّى لك كلّ الصحة والعافية.
بحث: مؤنس بخاري، باحث عربي مستقل، دارس للمطبخ ومدوّن في علومه. مدوّن ومتخصّص في الهندسة المجتمعية.
تحرير: الأخصّائية النفسية هبة الله الزير، تدقيق لغوي: نورهان الحديدي
المراجع:
1 Choline”. Micronutrient Information Center, Linus Pauling Institute, Oregon State University. https://go.monis.net/nussF7
2 “Dietary reference values for choline”. EFSA Journal. https://go.monis.net/uXjpVK
3 Dietary choline requirements of women: effects of estrogen and genetic variation https://go.monis.net/hnuQX9
4 Do Aches and Pains Depend on Age? https://go.monis.net/aNKxyB
5 Choline Suppresses Inflammatory Respbnses https://go.monis.net/1Okb8q
6 Racetams: Everything You Need to Know https://go.monis.net/WrwHU5
7 Cholini bitartras https://go.monis.net/FBklsM
8 Top Nootropics for Improving Memory https://go.monis.net/9mzPTd
9 Choline: needed for normal development of memory https://go.monis.net/z5raJp
10 Choline-rich diet tied to sharper memory https://go.monis.net/gmz4ry
11 Electric Current to Brain Boosts Memory https://go.monis.net/ZOMtDu
12 How Safe Are Natural Mood Enhancers? https://go.monis.net/MBxlCd
13 The Best Essential Oils for Brain Fog https://go.monis.net/pcCf02
14 Choline, Fact Sheet for Health Professionals https://go.monis.net/mhMTjY
15 Choline Bitartrate, By David Tomen https://go.monis.net/kcK5ax
تعليق واحد