بعض الانحرافات السامّة في العلاقات الإنسانيّة
هناك من يحاول جاهداً وضع العلاقات الإنسانية ضمن أطرٍ واضحةٍ ومحدّدةٍ ليسهل عليه فهمها وتمييزها عن بعضها البعض
لكن هل هي أطرٌ واضحةٌ فعلاً؟
أعتقد أنّ العلاقات الإنسانيّة بتطورٍ مستمرٍ طالما أنّ الإنسان نفسه بتطورٍ مستمرٍ أيضاً .
لنفرض أنّ العلاقات الإنسانية طريق سريع يصل بين عدّة مدن وأنت داخل سيارتك تقود إلى وجهةٍ محدّدة .
تحتاج في أثناء قيادتك للكثير من الانتباه لتصل آمناً لوجهتك المرجوّة. عليك الانتباه للسرعة المسموح بها وإشارات المرور والسيارات من أمامك ومن خلفك أيضاً لتدارك أيّ حدثٍ طارئ. لكن يبقى هناك احتمال لخطر ما أو انحرافٍ ما في أثناء قيادتك عليك تداركه مباشرةً وإلا عرّضت نفسك لخطرٍ محقّق .
كذلك هي العلاقات الإنسانية على عفويتها وتلقائيتها
بينما أنت تقود علاقةً ما، قد ينحرف مسارها؛ إمّا بشكل إيجابيٍّ أو بشكلٍ سلبيّ. ممّا يتطلّب منك استجابة خاصّة لكلّ انحراف. لست بصدد الانحرافات الإيجابية فجميعنا يعرف كيف يستجيب لها أو معظمنا على الأقل. لكن ماذا عن الانحرافات السلبيّة؟ هل هي سهلة التحديد؟ هل يمكنك تداركها بشكلٍ سريع؟ ما هي أشكال هذه الانحرافات؟
ستكون إجابة خاطئة تلك التي تصف انحراف العلاقة بالانفصال. الانفصال ليس انحرافٌ بالعلاقة، إنّما هو الوجهة التي تصل إليها في نهاية المطاف. فليست كلّ النهايات سعيدة، أليس كذلك؟
إليك بعض تلك الانحرافات، لكن دعني أسمّيها بطريقتي لتصلك الصورة بوضوح
علاقة كرسي الحديقة العامة
عادة ما يخوض البعض في مثل تلك العلاقة دون أن يصلوا لتوصيف واضحٍ لها، لكنّها تتّسم بالانتظار والجاهزية الدائمة. تغدو بها وكأنّك كرسيٍّ خشبي في أحدى الحدائق العامة تبقى في مكانك بكل جاهزيتك لتوفير محطّة آمنه مريحة لأحد المارّين في حياتك أو زوّار حديقة قلبك الدائمين. يسرّهم وجودك بل يغدو أحد أهم أسباب رغبتهم في التنزّه في هذه الحديقة. فلا يقلقهم التعب من المشي الطويل لأنّك هناك بانتظارهم تأخذ تعبهم عنهم عندما يلقون بثقل أحمالهم عليك. لكن، إن لم يتعبهم المسير لن يلتفتوا إليك ولن يكترثوا إن جرح أحدهم خشباتك ليخطّ ذكرى حبّ أو حرف اسم حبيبة ما.
لن يصلهم ألمك تحت حرارة ضوء الشمس التي تسلبك لونك و زهوك يوماً بعدَ يوم. لن يخرجوا من بيوتهم تحت الثلج ليزيحوا صقيع وحدتك عنك. لن تستفزّهم الأتربة والغبار المتراكم على روحك؛ إلا في حال أرادوا الراحة بك. عندها فقط سيزيلون تلك الأتربة بالقدر الكافي لتأمين مساحة مريحة لهم فقط.
علاقة حقل الألغام
علاقة تتّسم بالقلق والخوف الدائمين. أنت لا تدري إن كانت خطوتك القادمة معهم هي خطوتك الأخيرة. تفكّر مليّاً قبل اتّخاذ أيّ قرار يخصّك معهم؛ إلى درجة يسكنك بها الخوف والضغط.
نعم تغدو أسيراً مسلوب الإرادة تسير ضمن الخطّ المرسوم لك بلا أي مبادرة منك أو تغيير. ما إن غفلت عن طريقك المرسوم من قبلهم فخالفتهم برأيٍ ما أو فاجأتهم بمبادرةٍ ما، انفجرت في وجهك قنبلة بترت جزءً منك وبقت هناك عندهم. فلا غفران ولا تسامح مع أخطائك لأنّها قد تنهيك من الوجود بهذه العلاقة.
إنّها من أكثر العلاقات سميّة وقد تتركك من بعدها مشوّهاً عاجزاً، إن لم تنج بنفسك بأسرع وقت. تأخذ الكثير من العلاقات سمة حقل الألغام. لكن أسوأ علاقة من هذا النوع يمكن لإنسان أن يتعرّض لها هي علاقة بعض الآباء بأبنائهم. أجد الكثير من الأسر محكومة بعلاقة الخوف ومحبوسة بحقل ألغامٍ لا مخرج منه؛ إلّا بعاهة مستدامة.
علاقة المؤقت الزمني
إنّها من أكثر العلاقات جاذبيّة وفيها الكثير من الحلو الممزوج بالمرّ. سمتها الانجذاب والحبّ الشديدين. من فرط حبّك لهم أو من فرط حبّهم لك، أو لعلّه الانجذاب الأخّاذ؛ يجعل طرف من أطراف العلاقة في عجلةٍ من أمره. هو يعلم ما يريده فعلاً لكن قد تكون أنت ذو إيقاع أبطأ منه أو لست على مستوى يقينه بنجاح هذه العلاقة. وكنوع من أنواع التعبير عن اللّهفة يبدأ مخزونك عنده بالتناقص مع الوقت. يصارحك بأنّه أعطاك الكثير من الفرص وهو ينتظر منك احترامها.
لعلّه يرى بك صفاتٍ لست مقتنعاً بوجودها بك فعلاً، فتشعر أنّك بحاجة لوقتٍ أكثر لاستيعاب صفاته وصفاتك معاً. فيترجم الآخر حاجتك هذه بأنّك متردّد أو متلاعب أو غير صادق حتى بمشاعرك. تقع أنت تحت ضغط الوقت وتلاشي الفرص. ثمّ كثيراً ما تطلب المزيد من الوقت لتقوم بخطوةٍ جديدةٍ تجاه تلك العلاقة لذا يراك الآخرون متردّد غامض، فتزيد مخاوفهم منك ويقلّصون بالتالي وقتك الممنوح معهم رغبة منهم بحماية أنفسهم.
علاقة الدرع والسيف
أعتقد أن عنوان هذه العلاقة يشرح نفسه فسمتها الاتهام والدفاع عن النفس لتفنيد تلك التهمة. تجد نفسك غارقاً برمالٍ متحركةٍ من الاتهامات كلّما قمت بالتبرير أكثر كلما ابتلعتك هذه الرمال.
في مثل هذه العلاقة يصبح الصمت هو حبل النجاة. تتلقّى أقسى التهم وألذع الانتقادات فتقابلها بيأسٍ مطبق. أنت على علم أن لا فرصة لتصديقك مهما حاولت إذ أنّ هناك حكم مسبق ربّما قد بُني على موقف خاطئ منك بغض النظر عن حجم ذلك الخطأ. على الرغْم من محاولتهم التجاوز والغفران لكنّهم فقدن الثقة بك. وتراهم يكرّرنها على مسامعك في كلّ فرصة سانحة لهم. كأن يقول أو تقول: لا آمن على نفسي معك، لست أهلا للثقة، أنت متلاعب، كاذب… الخ؛ لكنّني أحبّك.
علاقة الفاكهة المحرّمة
لا ألم أقسى من ألم اشتهاء ما ليس لك. تلك العلاقة المحفوفة بالصراعات والألم تتمثّل بأغنية فيروز لكاتبها زكي ناصيف التي تقول:
أهواك بلا أملِ وعيونك تبسم لي
و ورودك تغريني بشهيّات القبلِ
أهواك ولي قلبُ بغرامك يلتهبُ
تدنيه فيقتربُ تقصيه فيغتربُ
في الظلمة يكتئبُ ويهدهده التعبُ
فيذوبُ وينسكبٌ كالدمع من المقلِ
في السهرة أنتظر ويطول بي السهرِ
فيسائلني القمرُ يا حلوة ما الخبرُ؟
فأُجيبه والقلبُ قد تيمه الحبُ
يا بدر أنا السبب أحببت بلا أملِ
زكي ناصيف
علاقة لفافة التبغ
إنّها علاقة استنزاف ميزتها الإدمان المرير. تحرقها وتحترق بها كلفافة التبغ. كثيراً ما تسعى للإقلاع عنها لتعود إليها وتعود إليك بالرغْم من كلّ المشكلات والصراعات والأذى المتبادل.
خاتمة
استعرضت سريعاً بعض الانحرافات لا معظمها تاركةً لك أن تستخلص المزيد من التسميات لأنواع العلاقات الإنسانية كعلاقة الابن المدلل أو بنك التسليف أو البئر المظلم وغيرها من التسميات. حاولت توصيف المشكلة ولم أتطرق لحلّها لأن الحلول عندك أنت. وحدك من يقرّر خوض تجاربه، بالتالي رسم خطوط حياته وتجاربه.
ليس عيباً أن تنحرف علاقاتك الإنسانية أو العاطفية، وليس عيباً تكيفك مع هذه الانحرافات. أنت وحدك من يقرّر إنهائها أو الاستمرار بها حسب طاقتك النفسية واستعداداتك الاجتماعية والعاطفية. لكن إن بلغ انحراف بوصلة علاقاتك حدّ الأذى، سواء كنت المؤذِي أو المؤذَى؛ عليك إيقافها بأسلم الطرق وأقلّها ألماً لكلّ الأطراف.